(2) وقال ابن الرومي: قَدْ يَشِيبُ الْفَتَى وَلَيْسَ عجيباًأَنْ يُرَى النَّورُ في الْقَضِيبِ الرَّطيبِ
(3) وقال أَبو الطيبِ : مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهَوانُ عليهِ ما لجرْحٍ بميتٍ إيلامُ
3ـتحليل:
اُنظر بيت أبي تمام فإنه يقول لمنْ يخاطبها: لا تستنكري خلوَّ الرجل الكريم منَ الغنى فإنَّ ذلك ليس عجيباً، لأَن قِمَمَ الجبال وهي أشرفُ الأَماكن وأعلاها لا يستقرُّ فيها ماءُ السيلِ. ألم تلمح هنا تشبيهاً؟ ألم تر أنه يشبِّهُ ضِمْناً الرجلَ الكريمَ المحرومَ الغِنى بِقمّة الجبل وقد خلت منْ ماء السيل؟ ولكنه لم يضَعْ ذلك صريحاً بل أتى بجملة مستقلةٍ وضمَّنها هذا المعنى في صورة برهانٍ.
ويقول ابن الروميِّ: إنَّ الشابَّ قد يشيبُ ولم تتقدمْ به السنُّ، وإنَّ ذلك ليس بعجيبٍ، فإنَّ الغصنَ الغضَّ الرطب قد يظهرُ فيه الزهر الأَبيضُ. فابنُ الرومي هنا لم يأْت بتشبيهٍ صريح فإنه لم يقل: إِنَّ الفتى وقد وَخَطَهُ الشيبُ كالغصنِ الرطيب حين إزهاره، ولكنه أتى بذلك ضمنًا.
ويقول أبو الطيب: إنَّ الذي اعتادَ الهوانَ يسهلُ عليه تحمُّلهُ ولا يتأَلم له، وليس هذا الادعاءُ باطلاً؛ لأَنَّ الميتَ إذا جُرحَ لا يتأَلمُ، وفي ذلك تلميحٌ بالتشبيه في غير صراحةٍ.
4ـتركيب:
ففي الأبياتِ الثلاثة تجِدُ أركانَ التشبيهِ وتَلْمحُهُ ،ولكنك لا تجدُه في صورةٍ من صوره التي عرفتها، وهذا يسمَّى بالتشبيهِ الضمنيِّ.
التشبيهُ الضِّمنيُّ: تشبيهٌ لا يُوضعُ فيه الْمُشَبَّهُ والمشبَّهُ بهِ في صورةٍ من صُورِ التشبيهِ المعروفةِ ،بَلْ يُلْمَحان فِي الترْكِيبِ. وهذا النوع يُؤْتَى به لِيُفيدَ أن َّالحُكم الذي أُسْنِدَ إلَى المشَبَّهِ مُمكنٌ.
تطبيق:
بيِّنِ المشبَّهَ والمشبَّهَ به ونوعَ التشبيه فيما يأْتي مع ذكر السببِ:
(1) قال المتنبِّي: وأصْبَحَ شِعري منهُما في مكانِهِ وفي عُنُقِ الحَسْناءِ يُستَحسنُ العِقدُ
(2) وقال أيضاً: كَرَمٌ تَبَيّنَ في كَلامِكَ مَاثِلاًويَبِينُ عِتْقُ الخَيلِ في أصواتِهَا
(3) قال البحتريُّ: ضَحوكٌ إلى الأبطالِ، وَهوَ يَرُوعُهم، وَللسّيفِ حَدٌّ حينَ يَسطو، وَرَوْنَقُ
(4) وقال المتنبي: ومِنَ الخَيرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عنيأسرَعُ السُّحْبِ في المَسيرِ الجَهامُ
(5) وقال أيضاً: لا يُعْجِبَنَّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِوهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَن
(6) وقال: وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم ولكنْ مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ
(7) وقال أَبو فراس: سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ،" وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يُفتقدُ البدرُ "
المشبَّهُ
المشبَّهُ به
وجهُ الشبهِ
نوعُ التشبيهِ
1
حالُ الشِّعر يثني به على الكريم فيزداد الشِّعرٌ جمالاً لحسنِ موضعه
حالُ العِقد الثمين يزدادُ بهاءً في عنق الحسناءَ
زيادةُ جمالِ الشيء لجمال موضعه
ضمنيٌّ
2
حالُ الكلام وأنه ينمُّ عنْ كرم أصل قائله
حالُ الصهيل الذي يدلُّ على كرم الفرس
دلالةُ شيءٍ على شيء
ضمنيٌّ
3
ضَحوكٌ إلى الأبطالِ، وَهوَ يَرُوعُهم
للسّيفِ حَدٌّ حينَ يَسطو، وَرَوْنَقُ
القوة والشدة
ضمنيٌّ
4
ومِنَ الخَيرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عني
أسرَعُ السُّحْبِ في المَسيرِ الجَهامُ
ضمنيٌّ
5
لا يُعْجِبَنَّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِ
تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَن
ضمنيٌّ
6
وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم
مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ
ضمنيٌّ
7
سَيَذْكُرُني قَوْمي
وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يُفتقدُ البدرُ
ضمنيٌّ
ضامَهُ حَقَّهُ يضيمُه واسْتَضامَه: انْتَقَصَه، بِزّتِهِ ـ البَزُّ: الثيابُ، أو مَتاعُ البيتِ من الثيابِ ونحوِها والبِزَّةُ، بالكسر: الهَيْئَةُ